المادة    
المذيع: أنا أعرف -فضيلة الشيخ- أنك لا تبرر العنف، ولكنك الآن أخذت -جل الحديث- تتكلم عن أن الذي بدأ العنف في بلاد المسلمين هم الحكومات المستبدة -كما ذكرت- مع التحفظ على المصطلح أو كلمة (المستبدة) لكن بعد ما اتضح أنك تقول: إن الذي بدأ الحكومات الإسلامية، فأريد أن أسألك: ما الفرق بين عنف الحكومات الإسلامية ضد الجماعات الإسلامية، وعنف بعض الجماعات الإسلامية ضد الدولة؟ مع تحفظي على مصطلح الحكومات المستبدة، لكم تعليقكم ولكم رأيكم، ولكني أختلف معك بأنه ليس هناك حكومة باسم (مستبدة) وهذا اختلافي لك أن ترده أو تقبله، ولكن ما هو الفرق الذي وجد بين عنف الدول الإسلامية عموماً وعنف الجماعات الإسلامية الموجودة في الدول الإسلامية، مع طلبي أيضاً بأن تسرد لماذا عللت بأن الذي بدأ العنف هي الحكومات الإسلامية؟
  1. الجماعات الإسلامية هي التي قاومت الاستعمار وليس الأحزاب العلمانية

    الشيخ: أنا لا أدري لماذا تصر على أن نعود..؟
    لكن على كل حال لنرجع إلى القضية، إذا أردت أن تعرف حقيقة أي مشكلة فخذها من أولها، قبل أن توجد هذه الأنظمة الشمولية والأحزاب الديكتاتورية، والحكومات التي تصر على أنها مستبدة، بل نحَّت شريعة الله ولحقت بركب الطاغوت الغربي حضارة وثقافة وتطبيقاً وممارسة.
    أنا قلت: قبل ذلك كانت حقبة واضحة في تاريخنا الإسلامي؛ واضحة مكشوفة، وهي حقبة الاستعمار، عندما كان الاستعمار جاثماً على أكثر بلاد العالم الإسلامي كانت القوة -ولا نقول: العنف- كانت القوة والجهاد والمقاومة المشروعة موجهة ضده، هذا الاستعمار لم يستطع أن يسيطر على الأمة التي قامت بمقاومته باسم الإسلام وباسم الدعوة، ووجدت حركات وجماعات إسلامية في كل بلاد العالم الإسلامي قاومته، لم يقاومه في الحقيقة أي تنظيم أو حزب آخر إلا شعارات تكون أحياناً محدودة.
    فمثلاً: خذ المغرب حركة إسلامية، الجزائر حركة إسلامية يقودها عبد الحميد بن باديس، ثم انتقل إلى عمر المختار في ليبيا، ثم انتقل إلى حركة الإخوان في مصر، وكل هذه البلاد حتى في الصومال .. الدعوة الإسلامية وعلماء المسلمين على اختلاف الحركات وتنوعها هم الذين جاهدوا وقاوموا فاستخدموا العنف المشروع -إن صح التعبير- أي: المقاومة المشروعة، والجهاد ضد هذا المستعمر.
    إذا انتقلت عشر سنوات بعد الاستعمار تجد من بقي منهم حياً في السجن، أو تجد أنهم محاصرون، وجاءت فئة علمانية وبتأييد من المستعمر تريد أن تصادر مكتسباتهم، وتفرض على الأمة عقيدة لم يجاهد من أجلها، لم يجاهد في الجزائر، ولا في المغرب، ولا في ليبيا، ولا في مصر من أجل الاشتراكية أبداً، هم قاتلوا لإخراج المستعمر، وإذا بالبلاد تحكم بنظام غريب على دينها وعلى عقيدتها، وإذا بأولئك المجاهدين يقبعون في السجون، وإذا وصلوا إلى السجن من هنا تبدأ الأفكار، ويبدأ الغلو والتطرف وتبدأ مشكلات لا حصر لها.
  2. الإسلاميون أخرجوا الاستعمار ولكن جوزوا بالسجن والنكال

    المذيع: ذاك حسب مفهومي يا دكتور سفر كان استعماراً واحتلالاً، لا نتكلم عن حكام من بني جلدتنا، ويأتي عنف من بني جلدتنا ضد حكامنا... أنت ذكرت عمر المختار وابن باديس، وهؤلاء الأفذاذ كانوا يحملون مقاومة لإخراج المستعمر من بلادهم...
    الشيخ: أوضح لك أكثر: الذين حاربوا الاستعمار في داخل أوروبا، من يقاوم الألمان فهو جدير بأن تكرمه الأمة وتعظمه وأن يقودها، من قاوم الزحف الروسي مثلاً.. من قاوم نابليون ... كل عدوان وقع داخل أوروبا فمن قاومه فهو أجدر الناس بأن يقود الأمة وأن تلتف حوله الأمة، إلا في العالم الإسلامي، فمن قاومه فهو الذي يعاقب، ويضطهد، وتكون نهايته النكال، حتى لو كان عن طريق الديمقراطية مثلاً كما حدث في الجزائر، فتصادر إرادة الشعب والأمة، ويصادر ذلك من أجل أنه قائم على الدين، وتصرح كثير من دول العالم الإسلامي بأنه لا مكان للدين في السياسة ولن نسمح بقيام حزبٍ ديني.
    فعندما يكون الاضطهاد والقهر إلى هذه الدرجة، وتكون هذه هي النتيجة، فعليك أن تتوقع أن يندفع الطرف الآخر وتكون هناك مشكلات لا يقرها العمل الإسلامي الذي ينتهجه أهل السنة والجماعة.
    في الجملة التبرير واضح، نحن لا نقر ما يحدث من غلو، حتى ولو لم يستخدموا العنف، نحن نرفض الغلو وإن كان في الاعتقاد أو في العبارة، وإن كان في إصدار الأحكام كتابياً، نحن نرفضه في منهج أهل السنة والجماعة، لكن كلامنا هو: لماذا جاء؟
    إذاً: لابد أن تكون القضية واضحة، وأن نتعامل فعلاً بواقعية وبعدل من أجل هذه المشكلة الداخلية، والقضية الكبرى لم تعد هذا، فهذه المرحلة حقبة لعلها انتهت، وأصبحنا الآن في مواجهة الحضارتين: في مواجهة الغرب بقواه وحضارته وعنفه، وبإرهابه وتسلطه الذي لا نجد له نظيراً على الإطلاق في واقعنا الإسلامي.